شرح قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الفلسطيني
: بـقلم
- الأستاذ سامر النمري
إن من أهم ما تسعى إليه البشرية منذ القدم هو تحقيق العدالة في المجتمع، والتي لا يمكن أن يتوصل إليها إلا بتوفير قضاء مستقل وعادل يفصل في النزاعات التي تحصل بين الناس، وتمثل الدعوى المدنية هي الوسيلة القانونية للمطالبة بالحق المدعى به أمام القضاء، وتعد ضمانة حقيقية لحصول الأشخاص على حقوقهم المدنية، وهي من أهم الركائز التي يقوم عليها النظام القضائي الفلسطيني ولابد للبحث في هذا الموضوع من الرجوع إلى الأصل التاريخي له، والتطورات التي طرأت على النظام القضائي، ولن يتسع المجال للبحث فيها تفصيلا؛ لذا سأقتصر على استعراضها، وللوقوف عليها جليا فنشأ وتطور النظام القضائي في فلسطين في ظل الحركة الاستعمارية، بدأ بالحكم العثماني فكان الفصل في المنازعات يتم في المحكمة أو في بيت القاضي حيث كان يحيط به عدد من الكتبة، وكان بابه مفتوحا للجميع، وكان القضاء يمتاز بسرعه البت في الخصومات بدون مرافعات مكتوبة إلى درجة أن الحكم القضائي قد يصدر وينفذ في جلسة واحدة، وكان يعرف بنظام الدوائر الصلحية، ويأخذ بالتقاضي على درجة واحدة، وكان الفصل في الخصومات منوطا بالوالي والشيوخ الذين يعينهم في الأقاليم. وبعد هزيمة الدولة العثمانية احتلت بريطانيا فلسطين وخلال حكمها أصدرت العديد من القوانين والأنظمة وأهمها أصول المحاكمات الحقوقية لسنة 1938 وأصول المحكمة العليا لسنة 1937 وأصول تشكيل المحاكم لسنة 1940 وأصول محاكم الصلح 1940 وعلى ضوء هذه القوانين تم تشكيل النظام القضائي في فلسطين، وأخذ بنظام التقاضي على درجتين، والتعدد بأنواع المحاكم، وبعد نكبة 1948 ضمت الضفة الغربية إلى الأردن، وترتب على ذلك خضوع الضفة الغربية إلى القوانين والأنظمة الأردنية والتنظيم القضائي الأردني، وفقا لقانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 26 لسنة 1952 ويأخذ بالتقاضي على درجتين الصلح والبداية وعلى إثر حرب 1967 احتلت إسرائيل كامل فلسطين، وبقيت الضفة الغربية تطبق القوانيين الأردنية والأوامر العسكرية الإسرائيلية، وبقي التنظيم القضائي كما هو بدون تغيير حتى قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية 1993 إلى أرض الوطن وبقيت الضفة الغربية تطبق القوانين الأردنية إلى أن أصدر المجلس التشريعي الفلسطيني القوانين الخاصة بدولة فلسطين وأهمها قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 بتاريخ 28/9/2000 بدأ تبلور التنظيم القضائي الفلسطيني دون تغير في المعالم، وأخذ بالتقاضي على درجتين وتعدد المحاكم ويعد من التشريعات الإجرائية التي ترسم الإجراءات القانونية والقضائية للدعوى المدنية وكيفية السير بها وتعد الدعوى الوسيلة القانونية للمطالبة بالحق المدعى به أمام القضاء وصولا إلى الحق والعدالة في المجتمع؛ لاستمرار حياة البشر بعيداً عن الظلم والجور والتطرف؛ والارتقاء بكرامة الإنسان وإحقاق حقوقه ويتبين ذلك في قوله سبحانه وتعالى ( لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ ﴿٢٥﴾ وقد حدد القانون الإجراءات القضائية والقانونية والوسائل الواجب اتباعها من قبل أطراف الدعوى أو وكلائهم أو المحكمة، من حيث إقامة الدعوى المدنية وشروطها وأنواعها وقيدها ونظرها ورسومها والسير بها ضمن إجراءات قانونية محددة، وما يشملها من تبليغات وتبادل لوائح ولائحة الدعوى واللائحة الجوابية والطلبات والدفوع وعوارض الخصومة وحصر البينة وسماعها، وحضور الخصوم وغيابهم والبطلان كجزاء مترتب على مخالفة الإجراءات والمواعيد والاختصاص بالدعاوى والإجراءات المختصرة بالدعوى وقواعد مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة مدنيا عن أعمالهم الوظيفية، وقواعد الطلبات المستعجلة وأحكامها وصورها واختصاصات المحاكم وصولا إلى حسم النزاع عبر الحكم القضائي المنهى للنزاع والخصومة وبيان الحكم وشروطه وطرق الطعن فيه، وتسليط الضوء على التنظيم القضائي من حيث تقسيم المحاكم النظامية والمحاكم الدينية والخاصة والرسوم القضائية المقررة للدعاوى والأمور المتعلقة بالقضاة والمبادئ المتعلقة بعملية التقاضي، وتعين القضاة، ونقلهم وندبهم ومساءلتهم التأديبية، ونظرا لأهمية هذا القانون في الدعوى المدنية وكيفية السير بها، لما له من الأثر البالغ الأهمية من حيث تقصير أمد المحاكمة والحد من التسويف والمماطلة من قبل أطراف الدعوى، وبيان الدور الإيجابي للقاضي في إدارة الدعوى المدنية، والوصول إلى الحق بأسرع وقت وأقل جهد، ارتأيت أن أشرح النصوص القانونية الناظمة للدعوى المدنية والإجراءات المتعلقة بها، وكيفية السير بها، وبيان المفاهيم والأحكام القضائية الخاصة بها، وتحديد ما تعتريه النصوص القانونية من ثغرات وتساؤلات قانونية، واختلافات قضائية في الأحكام بين درجات المحاكم الفلسطينية المختلفة، وبيان الأحكام المستقرة لمحكمة النقض الفلسطينية، وتوحيد الإجراءات القضائية في المحاكم كافة، وتطويرها بما يسهل وييسر إجراءات التقاضي للمحكمة وأطراف الدعوى على حد سواء، مما حملني على دراسة الدعوى المدنية وكيفية السير بها في قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الفلسطيني رقم 2 لسنة 2001 وتعديلاته، لما لمسته من عدم التطبيق العملي السليم والقانوني في كل يوم من خلال عملي كقاضٍ سابق وهو الذي جعلني أكتب بأمانة وإخلاص حول هذا الموضوع. لهذا عكفت على دراسة علمية تحليلية تناولت هذا الموضوع والمتعلق في البحث في مسألة الدعوى المدنية وكيفية السير بها؛ لكي تكون منبرا لمن يشتغل بالعمل القانوني بشكل عام ولطلاب الجامعات بشكل خاص. وقد اتبعت في دراستي هذه منهجاً علمياً قوامه المنهج الاستقرائي والتحليلي للنصوص القانونية، وتحليلها للوصول إلى التطبيقات القانونية السليمة في الدعوى المدنية وكيفية السير بها ضمن إجراءات محددة والتي يجب على المحكمة والخصوم الالتزام بها، وعدم التحلل من هذا الالتزام وفق مبررات غير قانونية، مدعماً هذه الدراسة بالنصوص التشريعية وآراء الفقهاء مشيراً إلى أحكام واجتهادات المحاكم الفلسطينية في هذا الشأن، وفي الوقت نفسه وضحت وجهة نظري وبينت مواضع الخلل ومواجهتها بالحلول التشريعية. لما تقدم فقد ارتأيت أن أتناول هذا الموضوع في بابين رئيسين على التوالي: الباب الأول: تناولت فيه الدعوى المدنية، ضمن فصلين، الأول تحت عنوان القواعد العامة في الدعوى، والباب الثاني: الدعوى وإجراءات التقاضي، الفصل الأول تناولت فيه الدعوى المدنية ضمن ثلاثة مباحث، عالجت في المبحث الأول الوكالة بالخصومة، وبينت مفهومها، وشروطها وبعض تطبيقاتها القضائية في ثلاثة مطالب لكل واحد منهم، وتناولت في المبحث الثاني المصلحة والصفة في الدعوى المدنية ضمن أربعة مطالب، المطلب الأول تعريف المصلحة، والمطلب الثاني شروط المصلحة، والمطلب الثالث الصفة، والمطلب الرابع تطبيقات قضائية حول المصلحة والصفة، وتناولت في المبحث الثالث الاختصاص القضائي ضمن أربعة مطالب، المطلب الأول الاختصاص القيمي، والمطلب الثاني الاختصاص المكاني، والمطلب الثالث الاختصاص النوعي، والمطلب الرابع الاختصاص الدولي. أما الفصل الثاني تناولت فيه الدعوى وإجراءات التقاضي ضمن ثلاثة مباحث، عالجت في المبحث الأول الدعوى المدنية، وبينتها من خلال أربعة مطالب، الأول تعريف الدعوى، والمطلب الثاني خصصته لشروط قبول الدعوى، والمطلب الثالث أنواع الدعاوى، والمطلب الرابع البطلان، وفي المبحث الثاني تناولت إجراءات التقاضي من أربعة مطالب، المطلب الأول تناولت فيه لائحة الدعوى واللائحة الجوابية ومشتملاتهما، والمطلب الثاني التبليغات القضائية، والمطلب الثالث عوارض الخصومة، والمطلب الرابع عدم صلاحية القضاة وتنحيهم ومخاصمتهم، وفي المبحث الثالث تناولت الطلبات والدفوع في أربعة مطالب، المطلب الأول الطلبات، والمطلب الثاني الدفوع، والمطلب الثالث الطلبات المستعجلة، والمطلب الرابع نظر الدعوى المدنية. أما الباب الثاني تناولت فيه الأحكام القضائية والنظام القضائي ضمن فصلين رئيسين، الفصل الأول، الأحكام القضائية، تناولت فيه الأحكام القضائية وطرق الطعن فيها ضمن ثلاثة مباحث، عالجت في المبحث الأول الحكم القضائي، وبينت تعريفه، ومشتملاته، والمداولة وإصداره، في أربعة مطالب لكل واحد منهم، وتناولت في المبحث الثاني طرق الطعن في الأحكام، ضمن أربعة مطالب، المطلب الأول الأحكام العامة لطرق الطعن، والمطلب الثاني طرق الطعن العادية، والمطلب الثالث طرق الطعن غير العادية، والمطلب الرابع تطبيقات قضائية، وتناولت في المبحث الثالث الرسوم القضائية في المحاكم النظامية، ضمن أربعة مطالب، المطلب الأول القواعد العامة في استيفاء الرسوم، والمطلب الثاني الرسوم في الدعاوى، والمطلب الثالث الرسوم المؤجلة والمعفاة، والمطلب الرابع جدول الرسوم. أما الفصل الثاني تناولت فيه التنظيم القضائي ضمن ثلاثة مباحث، عالجت في المبحث الأول رجال القضاء، وبينتها من خلال أربعة مطالب، الأول مبادئ عملية التقاضي، والمطلب الثاني خصصته لشروط تعيين القضاة، والمطلب الثالث نقل وندب القضاة، والمطلب الرابع المساءلة التأديبية للقضاة، وفي المبحث الثاني تناولت المحاكم النظامية في أربعة مطالب، المطلب الأول تناولت فيه محاكم الدرجة الأولى، والمطلب الثاني محاكم الدرجة الثانية، والمطلب الثالث المحكمة العليا/ محكمة النقض والمطلب الرابع تطبيقات قضائية، وفي المبحث الثالث تناولت المحاكم الدينية والخاصة في ثلاثة مطالب الاول المحاكم الشرعية والمطلب الثاني مجالس الطوائف الدينية والمطلب الثالث المحاكم الخاصة. وكنت حريصا في دراستي أن أكون موضوعياً في وجهة نظري التي أطرحها، آملاً بذلك ومحاولة بالإسهام في إثراء المعرفة من خلال طرح الأفكار في التشريعات الناظمة المتعلقة بالدعوى المدنية وكيفية السير بها، بقصد إبراز مزاياها في هذا المجال، والتعامل بها من قبل المحكمة والخصوم ووكلائهم في بلادنا والإسهام في تطوير أدائها العملي. راجيا من الله عز وجل أن يوفقني في بحثي هذا